التيار هو الضمان – ضياء ابو معارج الدراجي – بغداد

ضياء ابو معارج الدراجي – بغداد
منذ ساعات قليلة، تم تناقل أخبار عن تقديم التيار الصدري طلبًا للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وكعادة هذه الأخبار، سرعان ما جاء النفي. لكن السؤال الأهم: لماذا تنتشر مثل هذه الشائعات؟ ومن المستفيد من زج اسم التيار في معادلات سياسية لم يكن طرفًا فيها؟
لا شك أن بعض الجهات تحاول استثمار اسم التيار الصدري ورمزيته لإرباك المشهد السياسي والأمني والاقتصادي، سواء لتحقيق مكاسب إعلامية من خلال جمع الإعجابات والتعليقات والمشاهدات، أو لصرف أنظار الرأي العام عن قضايا أكثر أهمية. لكن من يعرف السيد مقتدى الصدر حق المعرفة، يدرك جيدًا أن أحدًا لا يستطيع الحديث باسمه أو التنبؤ بخطواته المستقبلية، فقراراته ليست خاضعة للمساومات أو التحليلات السطحية.
اعتزال السيد الصدر الحياة السياسية منذ أحداث عاشوراء داخل المنطقة الخضراء، كان في حقيقته ضمانًا لاستمرار العملية السياسية وفق رؤية سيد التيار الصدري. فابتعاده الظاهري لم يكن انسحابًا، بل إعادة تموضع استراتيجي، حيث أصبح التيار يمثل معارضة شيعية من خارج المنظومة السياسية، لكنه في الوقت ذاته قادر على توجيه المسار والتأثير في القرار عبر بيانات علنية أو رسائل ضمنية، ليمنع أي انحراف حكومي نحو مشاريع خطيرة كالتطبيع أو غيرها.
أما من الناحية الأمنية، فإن اعتزال السيد الصدر لم يكن إضعافًا لموقعه، بل على العكس، أصبح وجوده خارج السلطة رادعًا حقيقيًا لكل من يحاول إسقاط النظام السياسي الحالي بالقوة. فهناك مجاميع إرهابية لا تزال تحلم بالانقلاب على الوضع القائم، لكنها تدرك أن أي تحرك متهور سيجعل السيد الصدر في موقع المواجهة المباشرة، ليس سياسيًا فحسب، بل حتى عسكريًا، من خلال انضمامه لقوى الدولة الشرعية، سواء كانت الحكومة، أو الحشد الشعبي، أو الفصائل الشيعية المدافعة عن البلد و المقدسات.
إضافة إلى ذلك، فإن السيد الصدر لن يفكر في دخول الانتخابات القادمة لأسباب عديدة، منها إتاحة الفرصة لمن يسمون أنفسهم بالمدنيين أو العلمانيين، ليختبروا حجمهم الحقيقي بعد أن ظلوا يروجون لفكرة أنهم أصحاب الأغلبية غير المشاركة. فعدم مشاركة الناخب الشيعي الصدري، سيكشف واقع تلك الادعاءات، ويضعهم أمام مسؤولية إثبات وجودهم الفعلي، لا الافتراضي.
كما أن هذا القرار يمنح المجال أيضًا للمكون السني، الذي يدّعي بعض رموزه أنهم يمثلون الأغلبية في العراق، ليظهر حجمهم الحقيقي عند غياب الصوت الصدري عن صناديق الاقتراع. فبهذا الانسحاب، يترك السيد الصدر الساحة مفتوحة للجميع، لكنه في الوقت ذاته يبقى المراقب الأهم والمصحح الأقوى لمسار العملية الانتخابية، دون أن يكون جزءًا منها، مما يجعله في موقع المعارض القوي غير المشترك، القادر على محاسبة الجميع من موقعه المستقل.
التيار الصدري، رغم انسحابه من المشهد الحكومي، لا يزال الضمان الحقيقي لتوازن القوى في العراق. فهو الكتلة الشعبية الاقوى، وصاحب القرار المستقل، والسد المنيع أمام كل من تسول له نفسه العبث بمصير البلاد. ومن يراهن على غيابه، لم يفهم بعد قواعد اللعبة.