تقارير ودراسات

هآرتس : هل تربط إسرائيل حرية عملها في سوريا بالدور التركي؟

تسفي برئيل في هآرتس حول سوريا وتلشرع وتركيا والاكراد

تسفي برئيل

الإثنين الماضي، بعد يوم من سيطرة إسرائيل على جبل الشيخ السوري “وأراض في القنيطرة”، سارع النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، إلى إرسال رسائل إلى مجلس الأمن والسكرتير العام للأمم المتحدة. في هذه الرسائل، طالبت سوريا بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السورية ووقف الهجمات. “في الوقت الذي تشهد فيه الجمهورية العربية السورية مرحلة جديدة في تاريخها، ويتطلع الشعب السوري إلى إقامة دولة حرية ومساواة وسلطة قانون، وتجسيد طموحاته في الاستقرار والهدوء، غزا الجيش الإسرائيلي مناطق أخرى في سوريا، جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة”، هذا ما جاء في رسالة أولى وفريدة في نوعها من النظام السوري إلى مجلس الأمن.

تصريح رئيس الحكومة نتنياهو، الأحد، أثناء زيارته لهضبة الجولان، لم تبق مكاناً للشك. “الاتفاق الذي وقع في 1974 ورتب فصل القوات بين إسرائيل وسوريا بمنطقة عازلة بين الدولتين، انهار، وترك الجنود السوريون مواقعهم، ونحن لن نسمح لأي قوة معادية بالتمركز على حدودنا”. الخميس الماضي، نشر موقع “واللا” أن نتنياهو قال لجاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بأن الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة العازلة حتى تشكيل قوة لتنفيذ اتفاق فصل القوات.

هذا هو الاتفاق الدولي الإقليمي الثاني الذي تخرقه إسرائيل، بعد سيطرتها على محور فيلادلفيا وأدخلت القوات إلى قطاع غزة بصورة، حسب مصر، تخرق اتفاق كامب ديفيد واتفاق المعابر من العام 2005. ثمة فرق بين الحالتين. تجري إسرائيل المفاوضات أمام مصر. في السابق، سمحت للقوات المصرية بخرق اتفاق كامب ديفيد وتكثيف الوجود العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، وضمن ذلك استخدام سلاح الجو المصري لمحاربة المنظمات الإسلامية في شبه الجزيرة. في المقابل، لم يكن لإسرائيل أي اتصالات مع سوريا، ويبدو أنها لا تنوي الانسحاب في المستقبل القريب من المناطق التي احتلتها.

مشكوك فيه أن تصريح أحمد الشرع أمس، الذي بحسبه “سوريا في وضعها المنهك هذا لا تنوي الدخول في مواجهات عسكرية، ولا مصلحة لها في مواجهة إسرائيل”، سيهدئ إسرائيل أو يجعلها تغير موقفها من المناطق التي احتلتها.

العالم يسارع إلى التطبيع

خلافاً لحرية العمل غير المحدودة التي استخدمتها إسرائيل في غزة، والتي تستند إلى الشرعية الدولية والعربية للعمل ضد حماس ولكن ليس ضد المدنيين، فإن موقفها من سوريا مختلف. الشرع والحكومة التي شكلها ينتخبهم الجمهور، والانقلاب الذي نفذه بالقوة العسكرية، والخوف من تدهور سوريا إلى حرب أهلية، رغم ذلك كل فإنه يتمتع الآن بتأييد عربي ودولي، وهو يطوره بالتصريحات السياسية التي قد تشير إلى استراتيجية يطمح إلى تطبيقها، ولها نتائج.

التهنئة التي حصل عليها من دول عربية رائدة مثل مصر والسعودية والإمارات، أضيف إليها أفعال. فقد افتتحت تركيا أمس سفارتها في دمشق. وقد تحذو قطر حذوها ابتداء من اليوم. ويبدو أن الدول الأوروبية ستستأنف علاقاتها مع سوريا بعد قطيعة استمرت 13 سنة، خاصة بعد أن وقف بعضها على شفا التطبيع مع نظام الأسد.

الغطاء السياسي المتعاطف، الذي بدأ يتشكل حول النظام الجديد في سوريا، قد يستخدم الضغط على إسرائيل من إطار الانسحاب من المناطق التي احتلتها. فخلافا للموافقة الدولية الساحقة بأن حماس لن تكون شريكة في إدارة غزة في “اليوم التالي”، فإن “هيئة تحرير الشام” تعتبر الآن سلطة قانونية في سوريا رغم أنها في قائمة المنظمات الإرهابية، التي أعلن عن جائزة تبلغ 10 ملايين دولار مقابل رأس رئيسها. تركيا، التي تملك أداة التأثير الأهم، هي التي تطمح إلى قيادة الجهود الساعية إلى تطبيع العلاقات بين العالم والنظام الجديد في سوريا؛ لأن تركيا ظلت خلال سنوات الدولة التي ساعدت المليشيات التي عملت في إطار “هيئة تحرير الشام”، أو لأنها هي صاحبة البيت لاتحاد المليشيات الذي سمي بـ “جيش سوريا الوطني” (“جيش سوريا الحر” سابقاً)، أو لأنها تسيطر على المعابر الحيوية التي تعد أنبوب الأوكسجين لاقتصاد سوريا.

تنوي تركيا الآن لعب دور إيران وروسيا كدولة رعاية جديدة لسوريا. الحديث لا يدور فقط عن علاقات “جيرة حسنة” بين الدولتين اللتين بينهما حدود مشتركة، بل لتركيا مصلحة استراتيجية مهمة لها، وهي تحويل سوريا إلى قوة حماية ضد القوات الكردية التي تحاربها تركيا منذ عقود. تركيا، التي أدانت غزو إسرائيل لأراض سوريا، هي نفسها دولة محتلة سيطرت على مناطق في شمال غرب سوريا بالقوة. في الأسبوع الماضي، احتلت المليشيات التابعة لها مدينة منبج، التي كانت معقل القوات الكردية. ولا تخفي نيتها لتوسيع مناطق عملها حتى شرق الفرات. قضية الأكراد قد تحتل مكاناً مركزياً في قائمة المواضيع التي ستناقش في الفترة القريبة القادمة، لأن الحل المتفق عليه سيكون مرهوناً بقدرة الشرع على إقامة دولة موحدة ومنع استمرار الصراعات الداخلية التي قد تتدهور إلى مواجهات مسلحة بين النظام والأقلية الكردية، ما سيؤدي إلى انسحاب القوات التركية من سوريا وتهدئة الأقليات الدينية والعرقية الأخرى في الدولة.

شروط الأكراد

“مجلس الحكم الذاتي” الكردي هو جسم سياسي مسيطر على المحافظات الكردية في شمال سوريا، وتتفرع منه “قوات سوريا الديمقراطية”- الجسم العسكري الذي يشارك فيه أيضاً مقاتلون عرب، مع أكراد، وشكلته الإدارة الأمريكية كقوة قتال ناجعة ضد “داعش”. في الأسبوع الماضي، أعلن هذا المجلس بأن “المحافظات في شمال وشرق سوريا (المحافظات الكردية) هي جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية”. وقد قرر برفع علم سوريا “الجديد”، الذي تبناه المتمردون، على كل المباني العامة. أي أن الأكراد لا ينوون تشكيل إقليم مستقل ومنفصل عن الدولة، ويوافقون على سلطة الحكم الجديد.

لكن الأكراد الذين يسيطرون على معظم آبار النفط في سوريا والمحافظات التابعة لهم، هي بمثابة مستودع الحبوب للدولة، وهناك شروط لهذه الموافقة. الخميس، نشرت في الشبكات الاجتماعية وثيقة جاء فيها بأن الأمر يتعلق بمسودة الطلبات في المفاوضات التي تجري برعاية أمريكية بين القوات الكردية وهيئة تحرير الشام. وجاء فيها أن الأكراد مستعدون للانسحاب من دير الزور والرقة والطبقة مقابل تمكين السكان الأكراد من عفرين وتل الأبيض ورأس العين، التي احتلتها تركيا، من العودة إلى بيوتهم وانسحاب القوات التركية منها. وثمة طلبات أخرى تشمل الاعتراف بمكانة “الحكم الذاتي للأكراد” والمساعدة في إعادة السكان الأكراد الذين تركوا بيوتهم في المدن التي احتلتها تركيا وإشراك ممثلين من القوات العسكرية الكردية في الحكومة التي ستتشكل في سوريا بعد آذار 2025 (الموعد الذي حدده الشرع لانتهاء ولاية الحكومة التي شكلها)، والتعهد بانسحاب القوات التركية من الدولة، والاعتراف باللغة الكردية كلغة ثانية رسمية في الدولة.

على الرغم من أن هذه قائمة جزئية ستمر بسلسلة نقاشات وتعديلات، فإنها هي حجم التحدي الذي سيواجهه النظام السوري إذا أراد حل هذه القضية بالمفاوضات وليس في ساحة القتال. الشرع، الذي أصبح الآن بين مطرقة تركيا وسندان الأكراد، يجب عليه السير في حقل ألغام بين طموحات تركيا وطموحات الأكراد، والحفاظ على علاقات جيدة مع مكبس تركيا بدون تفكيك الدولة. وهذا ليس التحدي الوحيد الذي يواجهه النظام الجديد في سوريا، لكنه سيملي الاستراتيجية الداخلية والإقليمية التي سيتبناها.

شبكة العلاقات بين النظام السوري وتركيا قد تؤثر أيضاً على طبيعة عمل إسرائيل في سوريا. اضافة إلى أن تركيا قد تدير الخطوات الدولية لطرد قوات الجيش الإسرائيلي من منطقة فصل القوات، يمكنها أيضاً تحديد مجال العمل الجوي لإسرائيل في سوريا. وما دامت روسيا تسيطر على المجال الجوي في سوريا، فإن إسرائيل تحظى بحرية عمل شبه كاملة، تم تنسيقها مع القيادة الروسية في قاعدة حميميم. ولكن القوات الروسية بدأت الآن بالانسحاب من سوريا. معظم الطائرات الروسية خرجت، وهي الآن تجري مفاوضات حول استمرار وجود قواتها البحرية في ميناء طرطوس.

في ظل غياب سلاح الجو السوري والروسي، ربما تكون تركيا من الآن فصاعداً هي صاحبة البيت في المجال الجوي، وبالتعاون مع النظام السوري ستلغي أيضاً حرية عمل إسرائيل. يبدو أن حاجة إسرائيل إلى حرية العمل قد تتقلص مقابل انسحاب معظم القوات الإيرانية وعلى خلفية نية الشرع منع استمرار نشاطات حزب الله في سوريا. ولكن إسرائيل لا تثق بقدرة النظام الجديد على منع نقل السلاح من سوريا إلى لبنان، وستضطر إلى بلورة تفاهمات مع تركيا، التي سيكون لها ثمن سياسي في ساحات أخرى، مثل غزة.

هآرتس 15/12/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى