مقالات

العرب الأميركيون بعد فوز ترامب الساحق!- واشنطن- خليل اسماعيل رمال

خليل إسماعيل رمَّال – واشنطن

حقَّق ترامب فوزاً ساحقاً مع حزب الفيل بشكل منحه تفويضاً كبيراً لإطلاق يده ليفعل ما يشاء من خراب وسياسات داخلية وانجازات شخصية في أميركا.
والحقيقة إن اكتساح ترامب لهذه الإنتخابات بهذا الشكل لم يكن بسبب مواهبه التهريجية وقدراته الذاتية وكاريزماه (المُنعدِمَة تماماً)، بل بسبب أخطاء وتهوُّر حزب الحمار.
وحتى لا يعمينا الزهو والغرور فندَّعي بما ليس فينا وبأننا كعرب أميركيين تسبَّبنا لوحدنا بإسقاط كامالا، فإن ٤ بالمئة فقط من الأميركيين يهتمون بالسياسة الخارجية و ٤٠ بالمئة منهم يهمهم الإقتصاد فقط.
لكن من ناحية ثانية، أيضاً لم يستمع الحزب الديمقراطي لثورة الشباب والتغيير المُعتمِل داخل المُجتمع الأميركي الذي هزَّتْه وأيقظته مجازر الكيان ضد شعب غزَّة وهو يراها كبث مباشر وحي على الشاشات. بل أن هذه الإدارة المنقلعة برئاسة الخرفان الصهيوني الإبادي بايدن وصنيعته هاريس، قامت بقمع الطلاب والشباب وأصحاب الضمير من الشعب الأميركي واستمرت بالمشاركة الفعلية في المجازر التي ارتكبها الكيان وما يزال في فلسطين، لدرجة أن البعض من الشعب الأميركي الطيِّب حرق نفسه حيَّاً وهو يهتف لفلسطين وهذا ما لم يفعله عربي واحد في الشرق الأوسط عندنا أو في ما يسمى بالشارع العربي. حتى مرور بارجة حربية إسرائيلية عبر قناة السويس في طريقها لقتل المزيد من أطفال فلسطين ولبنان، تحمل علم مصر والكيان الصهيوني، لم يجرؤ شعب مصر، شعب جمال عبد الناصر، على الإحتجاج عليها بل كان يتفرج عليها كحدث ترفيهي عادي!
لقد نالت هذه الإدارة الديمقراطية المنقرضة ما تستحق من عِقاب فخسرت خسارة مُدوِّية ومريعة في الإنتخابات شمَلَتْ البيت الأبيض ومجلس الشيوخ وربما حتى مجلس النوَّاب، وكله بسببها! ترامب لم يربح بل سقطت إدارة بايدن والحزب الديمقراطي في الهاوية رغم محاولات كامالا في الأسابيع الأخيرة لِلَمْلَمَة بعض الدعم العربي بتعابير وكلمات مُنمَّقَة زائفة عن حجم المُعاناة في غزَّة وتقرير مصير الشعب الفلسطيني لنفسه، لكنها لم تكن صادقة وهي التي منعَتْ المندوبين العرب من الكلام في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو!
أحد الأصدقاء احتفى بقرار مسؤول محلي بكَّرَ في دعم ترامب المُطلق وعلَّق على صفحته قائلا: القادة لا يتخذون مواقف رمادية في المعارك الأخلاقية والمصيرية، يا أبيض يا أسود! وردي على الصديق مع الإحترام، هو منذ متى أصبح دعم ترامب قضية أخلاقية ومصيرية وهو المعروف بتاريخه؟! ثم يا “كازين” (cousin) في هذه الظروف الاستثنائية نعم ليس هناك لون أسود وأبيض أو أحمر وأزرق فقط في هذه الحالة، بل هناك خيار أخلاقي وإنساني ومبدئي آخر وثالث وهو أخضر (رمادي) والسبب معروف!
الحقيقة هي أن العرب الأميركيين، كسائر أقرانهم، ساهموا في معاقبة هذه الإدارة الديمقراطية وأحجمت أكثريتهم عن التصويت لها لكنهم لم يفعلوا ما يكفي من ناحية التصويت باتجاه حزب ثالث ودعم صديقة وحليفة العرب الأميركيين جيل ستاين وحزبها الأخضر. الإجماع العربي دعا لعدم التصويت لترامب أو لهاريس لكنه لم يتقدم خطوة باتجاه الدعوة صراحة لانتخاب ستاين وهذا خطأ لأنه ترك ثغرة كبيرة شتَّتَتْ الصوت العربي بين المرشحين الثلاثة ومنهم من بقي في بيته خلال الإستحقاق. لقد قرأت عن باقي الأقليات على السوشال ميديا وهم يفخرون بانتخاب ستاين لأول مرة خلال مسيرتهم الإقتراعية ودعم حزب الخضر لكن لم أقرأ أي شيء عن الدعم العربي لستاين الصديقة المُخلِصَة لنا وهذه علامة غير مضيئة بحقنا!
البعض من العرب زفَّ ترامب في جاليتنا كالعروس مراهنين على “تغيُّره” وعلى وعوده العرقوبية وأيضاً لمعاقبة هاريس ومعلمها، لكن العواقب بخواتيمها وترامب معروف بتقلباته وأهوائه ونرجسيته وحبه لنفسه فقط. إلا أنه والحق يُقَال، إشارته بتضمين العرب الأميركيين والمسلمين الأميركيين في خطابه يمكن البناء عليه، لكن الحكم ليس على النيات والإنشاء (الإنكليزي) بل على الأفعال فلننتظر ونرَ صحة المُراهنين على الفيل وأصحاب الفيل!
البعض الآخر من العرب الأميركيين وهم قِلَّة، دعموا علَناً كامالا هاريس ومنهم مستفيدون سابقون من عطايا الإدارة الديمقراطية في ميشيغن بالمناصب والمواقع (وأحدهم مثلاً كان من بين حضور حفل العشاء لتكريم المجرم الفطيس شمعون بيريز الذي زار منطقة ديترويت في التسعينيات)، فهؤلاء دائماً مع الحزب الديمقراطي مهما حصل بعكس البعض مثلاً كالمحامي علي داغر النشط في الحزب الديمقراطي طيلة حياته لكنه تمنَّع هذه المرَّة عن دعم هاريس لسبب مبدئي وإنساني وهذا موقف مُشرِّف.
لا أدري ماذا يقول “الديمقراطيون العرب” اليوم بعد الخسارة الوجودية لحزبهم الأكثر صهيونيةً من نتنياهو (ولا يبعد عنه الحزب الجمهوري الأخرق بكثير بكل الأحوال فكلاهما براز جرو مقسوم قسمين)؟!
الخلاصة تشتُّت الصوت العربي لا ينفعنا وكذلك التردد وعدم الدعوة الصريحة لترجيح كفَّة مرشح ثالث حتى ولو كانت نسبة فوزه معدومة، لأن المقياس يجب أن يكون هو قُرب المُرشَّح من اهتماماتنا، ويحب جمع أصواتنا في كتلة واحدة مُتراصَّة كي تُحدِث دوِيَّاً عالياً وتأثيراً أكبر نستفيد منه لخدمة قضايانا العادلة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى